سورة الأنبياء - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذى فطَرَهُنَّ} أي التماثيل فأنى يعبد المخلوق ويترك الخالق {وَأَنَاْ على ذلكم} المذكور في التوحيد شاهد {من الشاهدين وتالله} أصله (والله) وفي التاء معنى التعجب من تسهيل الكيد على يده مع صعوبته وتعذره لقوة سلطة نمروذ.
{لاكِيدَنَّ أصنامكم} لأكسرنها {بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} بعد ذهابكم عنها إلى عيدكم، قال ذلك سراً من قومه فسمعه رجل واحد فعرض بقوله {إِنّى سَقِيمٌ} [الصافات: 89] أي سأسقم ليتخلف. فرجع إلى بيت الأصنام {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} قطعاً من الجذ وهو القطع جمع جذاذة كزجاجة وزجاج جذاذ بالكسر: علي، جمع جذيذ أي مجذوذ كخفيف وخفاف {إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ} للأصنام أو للكفار أي فكسرها كلها بفأس في يده إلا كبيرها فعلق الفأس في عنقه {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ} إلى الكبير {يَرْجِعُونَ} فيسألونه عن كاسرها فتبين لهم عجزه، أو إلى إبراهيم ليحتج عليهم، أو إلى الله لما رأوا عجز آلتهم {قَالُواْ} أي الكفار حين رجعوا من عيدهم ورأوا ذلك {مَن فَعَلَ هذا بِئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين} أي إن من فعل هذا الكسر لشديد الظلم لجراءته على الآلهة الحقيقة عندهم بالتوقير والتعظيم {قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم} الجملتان صفتان ل {فتى} إلا أن الأول وهو {يذكرهم} أي يعيبهم لا بد منه للسمع لأنك لا تقول (سمعت زيداً) وتسكت حتى تذكر شيئاً مما يسمع بخلاف الثاني. وارتفاع {إبراهيم} بأنه فاعل {يقال} فالمراد الاسم المسمى أي الذي يقال له هذا الاسم {قَالُواْ} أي نمروذ وأشراف قومه {فَأْتُواْ بِهِ} أحضروا إبراهيم {على أَعْيُنِ الناس} في محل الحال بمعنى معايناً مشاهداً أي بمرأى منهم ومنظر {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} عليه بما سمع منه أو بما فعله كأنهم كرهوا عقابه بلا بينة أو يحضرون عقوبتنا له.


فلما أحضروه {قَالُواْ ءأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِئَالِهَتِنَآ ياإبراهيم قَالَ} إبراهيم {بَلْ فَعَلَهُ} عن الكسائي: إنه يقف عليه أي فعله من فعله، وفيه حذف الفاعل وأنه لا يجوز، وجاز أن يكون الفاعل مسنداً إلى الفتى المذكور في قوله {سمعنا فتى يذكرهم} أو إلى {إبراهيم} في قوله {يا إبراهيم} ثم قال: {كَبِيرُهُمْ هذا} وهو مبتدأ وخبر. والأكثر أنه لا وقف، والفاعل {كبيرهم} وهذا وصف أو بدل، ونسب الفعل إلى كبيرهم وقصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضي تبكيتاً لهم وإلزاماً للحجة عليهم لأنهم إذا نظروا النظر الصحيح علموا عجز كبيرهم وأنه لا يصلح إلهاً، وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتاباً بخط رشيق أنيق: أأنت كتبت هذا وصاحبك أمي فقلت له (بل كتبته أنت) كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك وإثباته للأمي، لأن إثباته للعاجز منكما والأمر كائن بينكما استهزاء به وإثبات للقادر، ويمكن أن يقال: غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة وكان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له، فأسند الفعل إليه لأن الفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه، ويجوز أن يكون حكاية لما يقود إلى تجويزه مذهبهم كأنه قال لهم: ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فإن من حق من يعبد ويدعى إلهاً أن يقدر على هذا. ويحكى أنه قال: غضب أن تعبد هذه الصغار معه وهو أكبر منها فكسرهن، أو هو متعلق بشرط لا يكون وهو نطق الأصنام فيكون نفياً للمخبر عنه أي بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون، وقوله {فَاسْئَلُوهُمْ} اعتراض. وقيل: عرض بالكبير لنفسه وإنما أضاف نفسه إليهم لاشتراكهم في الحضور {فَاسْئَلُوهُمْ} عن حالهم {إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} وأنتم تعلمون عجزهم عنه.
{فَرَجَعُواْ إلى أَنفُسِهِمْ} فرجعوا إلى عقولهم وتفكروا بقلوبهم لما أخذ بمخانقهم {فَقَالُواْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظالمون} على الحقيقة بعبادة ما لا ينطق لا من ظلمتموه حين قلتم {من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين} فإن من لا يدفع عن رأسه الفاس، كيف يدفع عن عابديه البأس؟


{ثُمَّ نُكِسُواْ على رُؤُوسَهُمْ} قال أهل التفسير: أجرى الله تعالى الحق على لسانهم في القول الأول، ثم أدركتهم الشقاوة أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم، يقال: نكسته قلبته فجعلت أسفله أعلاه أي استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاؤوا بالفكرة الصالحة ثم انقلبوا عن تلك الحالة فأخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة وقالوا {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ} فكيف تأمرنا بسؤالها؟ والجملة سدت مسد مفعولي {علمت} والمعنى لقد علمت عجزهم عن النطق فكيف نسألهم؟ {قَالَ} محتجاً عليهم {أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً} هو في موضع المصدر أي نفعاً {وَلاَ يَضُرُّكُمْ} إن لم تعبدوه {أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} {أف} صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر، ضجر مما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق فتأفف بهم واللام لبيان المتأفف به أي لكم ولآلهتكم هذا التأفف {أف} مدني وحفص، {أفّ} مكي وشامي {أفّ} غيرهم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن من هذا وصفه لا يجوز أن يكون إلهاً.
فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب {قَالُواْ حَرّقُوهُ} بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظع {وانصروا ءالِهَتَكُمْ} بالانتقام منه {إِن كُنتُمْ فاعلين} أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصراً مؤزراً فاختاروا له أهول المعاقبات وهو الإحراق بالنار وإلا فرطتم في نصرتها، والذي أشار بإحراقه نمروذ أو رجل من أكراد فارس. وقيل: إنهم حين هموا بإحراقه حبسوه ثم بنوا بيتاً بكوثى وجمعوا شهراً أصناف الخشب ثم أشعلوا ناراً عظيمة كادت الطير تحترق في الجو من وهجها، ثم وضعوه في المنجنيق مقيداً مغلولاً فرموا به فيها وهو يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وقال له جبريل: هل لك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. قال: فسل ربك. قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي. وما أحرقت النار إلا وثاقه. وعن ابن عباس: إنما نجا بقوله: (حسبي الله ونعم الوكيل).

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9